إدلب أم شرق الفرات؟

img
إدلب أم شرق الفرات؟ YDH

التوازن بين إدلب والأطراف المتنازعة التي تغذي بعضها البعض في شرق الفرات يمنع سوريا من ترسيخ وحدة أراضيها.




التوازن بين إدلب والأطراف المتنازعة التي تغذي بعضها البعض في شرق الفرات يمنع سوريا من ترسيخ وحدة أراضيها.

بعد أن تم تطهير حلب بالكامل من الجماعات المسلحة في 12 كانون الأول 2016 ، طُرح السؤال "هل سيكون الهدف التالي لسوريا إدلب أم شرق الفرات؟ وبقي هذا السؤال على جدول الأعمال.

فيما أن تطهير حلب، قد أنهى الحرب بالوكالة المفروضة على سوريا حيث جعل الهدف الأولي لتلك الحرب مستحيلاً. ومع ذلك، لا تزال ظروف الحرب مستمرة بسبب تنوع الفاعلين وتشكيلات التحالف والأهداف في الميدان.

كان الهدف الأولي للحرب بالوكالة المفروضة على سوريا هو الإطاحة بالنظام في دمشق. وإذا كان بالإمكان الحفاظ على وجود الجماعات المسلحة في حلب، فإن الحرب الجارية حاليًا مع تغيير الأولوية والأسلوب، يمكن أن تستمر في اتجاه هذا الهدف. لكن ومع ذلك، فقد أصبح هذا مستحيلًا للأسباب التالية:

أدى خسارة حلب إلى تعميق التناقضات الداخلية للوكلاء الذين فقدوا دعمهم الخارجي. أما  الذين سبق وأن دُعموا ضد دمشق تحت اسم "المعارضة المسلحة"، بغض النظر عن لهجتهم ، فقد تم تصنيفهم على أنهم "معتدلون" و "إرهابيون" ثم تقاسمهم الأصلاء.

اختبأ جميع الجماعات المسلحة في الميدان تحت راية الجيش السوري الحر، والذي بالفعل قد استغرق هذا الأمر وقتًا قصيرًا. الملف السوري عند أميركا سحب من تركيا وقطر، في 11 تشرين الثاني 2012 التنظيم السياسي للمعارضة في الدوحة، في 9 كانون الأول 2012  إعادة تشكيل التنظيم المسلح في أنطاليا، فكانت الجماعات المسلحة تتفكك بشكل واضح.

وبهذا التدخل الأمريكي، فُتح الطريق أمام دعم "مجموعة أصدقاء سوريا" بالسلاح للجماعات المسلحة؛ إلا أن هذا التدخل خلق انقسامًا جديدًا بين تلك الجماعات، تم وصف تفاصيله في مقال بعنوان "الجماعات المسلحة في سوريا والتشكيلات جديدة".

مع تركيبة التحالف الجديد، كانت أقوى المنظمات هي تلك المشتقة من القاعدة والتي لم تكن تستخدم اسم داعش في تلك الأيام، والأضعف كان الجيش السوري الحر، الوكيل الرسمي لمجموعة الأصدقاء.

ومع ذلك، حتى نهاية عام 2016، عندما تم تحرير حلب، لم تكن هذه الاختلافات، والمعروفة للجميع، مشكلة على الإطلاق. على سبيل المثال، عندما سقطت الرقة في 5 آذار (مارس) 2013، تم الاحتفال بهذه المدينة، على الرغم من أنه من المعروف أن هذه المدينة لم يتم الاستيلاء عليها من قبل الجيش السوري الحر الذي تأسس في أنطاليا، ولكن من قبل "أولئك المدرجين على قائمة الإرهاب".

حتى أولئك الذين أعلنوا سقوط المدينة على أنهم "معارضون لمدينة الرقة" كتبوا بوضوح أن الرقة قد استولت عليها جبهة النصرة ومنظمة أحرار الشام، والتي تم إعلانها كمنظمات إرهابية في كانون الأول / ديسمبر 2012.

كانت جبهة النصرة الفرع السوري الرسمي للقاعدة في ذلك الوقت، عندما لم يكن اسم داعش مستخدماً بعد. من ناحية أخرى، كانت أحرار الشام منظمة أسسها أبو خالد السوري أحد قادة القاعدة.

في عام 2014، لم يكن هناك أي ذكر لداعش كمنظمة إرهابية حتى ان هاجموا إقليم كردستان، وهو ما يعني "إكسون موبايل زون" بالنسبة لأمريكا.

حتى عام 2017، عندما حرّر الجيش السوري وحلفاؤه مدينة حلب وبدأوا في التحرك نحو الحدود العراقية، لم يكن هناك شك في "تحرير" الرقة.

لماذا يعتبر تحرير حلب نقطة تحول؟

تحرير حلب نقطة تحول. لأن الحرب بالوكالة، التي كان هدفها إسقاط إدارة دمشق، انتهت فعليًا في 12 كانون الأول (ديسمبر) 2016. بالإضافة إلى الوكلاء المتجددون، فقد نزل الأصلاء الآن إلى الميدان.

تم تحديث هدف 'الإطاحة بإدارة سوريا من أجل السيطرة عليها'، إلى تمزيق الأرض لمواصلة البقاء فيها.

احتاج الأصلاء إلى عذر ووكيل مناسب للدخول إلى الميدان.

كانت أمريكا مستعدة لما بعد حلب، حيث انسحبت من الحرب بالوكالة مع مؤتمر جدة في 11 سبتمبر 2014. لأن أمريكا، التي بدأت استخدام وحدات حماية الشعب كوكيل لها منذ 2014 بحجة محاربة داعش، أصبحت الآن في الميدان بوجودها العسكري بعد حلب.

تحولت "مجموعة أصدقاء سوريا" إلى تحالف مناهض لداعش في مؤتمر جدة. تركيا عارضت هذا الأمر. ولأن أمريكا وغيرها لم تعد تقاتل سوريا بل داعش، فلذلك حاولت تركيا مع قطر والسعودية ولفترة طويلة إقناع أمريكا بالعودة إلى الحرب ضد سوريا.

مع تأسيس "جيش الفتح'' بقيادة جبهة النصرة، المدرجة على قائمة التنظيمات الإرهابية في جميع أنحاء العالم، تم احتلال إدلب في مارس 2015، فكانت رسالة لأميركا "تخلوا عن وحدات حماية الشعب، ولا يزال بإمكاننا السيطرة على دمشق من خلال إلحاق الجيش السوري الحر تحت راية جيش الفتح".

أمريكا لم تأخذ هذه الدعوة على محمل الجد؛ لكن بفضل تركيا والسعودية استفادت أميركا من تجربة جيش الفتح كتبييض لتنظيم إرهابي. وبهذه الطريقة بدأت أي اميركا بدعم قوات سوريا الديمقراطية وليس وحدات حماية 

الشعب التي يقودها حزب العمال الكردستاني!

إن تصميم الولايات المتحدة على عدم العودة إلى الحرب بالوكالة ، والتدخل الروسي في 30 سبتمبر 2015، وتحرير حلب في 12 ديسمبر 2016، جعل أنقرة تقبل بالوضع الجديد.

لأجل دخول أنقرة إلى الميدان، كان وكلاؤها في إدلب مستعدين أيضًا على أساس الإرهاب الناجم عن حزب العمال الكردستاني  وقوات سوريا الديمقراطية.

في المعسكر المقابل، ومع الحدث الذي وقع منذ بداية الحرب واعتذار تركيا من روسيا لاسقاط الطائرة في 16 أغسطس 2016 أكسبها بالحصول على تأشيرة دخول إلى سوريا تحت اسم درع الفرات.

عقب تضمين أستانا في العملية، أعطى هذا الأمر ضمانات لتركيا اي لوكلائها في إدلب كما منحت أيضا مناطق "غصن الزيتون" و "نبع السلام" ضد وحدات حماية الشعب الكردية.

لذلك، بعد تحرير حلب واعتبارا منذ عام 2017، تكوّن توازن -بين الأطراف المتصارعة التي تغذي بعضها البعض- بين شرق الفرات وإدلب.

_"توازن الأطراف المتعارضة التي تغذي بعضها البعض."

هذا التوازن بين إدلب والأطراف المتصارعة التي تغذي بعضها البعض في شرق الفرات يمنع سوريا من ترسيخ وحدة أراضيها.

بفضل دور تركيا الضامن التي حصلت عليه في أستانا، سيطرت على إدلب هيئة تحرير الشام والتي يضعها الجميع على لائحة الإرهاب بما فيهم تركيا؛ وبفضل الحماية الأميركية سيطرت قسد شرق الفرات والتي تضعها تركيا على لائحة الإرهاب.

هذا التوازن يُحافَظ عليه لأربع سنوات، على الرغم من جعل الوجود الأميركي شرق الفرات مستحيلا في حال ضم إدلب للأراضي السورية، وكذلك للوجود التركي في إدلب في حال ضم شرق الفرات للأراضي السورية.

 الدول التي لها وجود عسكري في الميدان تقف في مواقع معاكسة.

على سبيل المثال تركيا، ضد علاقة أمريكا مع قسد.

أمريكا ضد تهديد تركيا لشريكها قسد في شرق الفرات.

روسيا تعارض دور تركيا كحماية أمنية للجماعات المساحة في إدلب، وكذلك فصل أميركا لشرق الفرات عن سوريا.

في المقابل، تعارض دمشق وإيران تشاطر الأراضي السورية من قبل الدول الموجودة على الأرض لمصالحها الخاصة بين بعضها.

لكن إذا كانت جميع الأطراف ضد بعضها البعض، فلماذا لم يتغير هذا الوضع منذ أربع سنوات؟ الجواب على هذا السؤال مخفي في حد ذاته. لأن معارضة جميع الأطراف لبعضها البعض تخلق أيضًا أساسًا للمصالح المشتركة بناءً على الأولويات الراهنة. حتى على المدى القصير، فإن أرضية المصلحة المشتركة هذه تخلق توازنًا بين الأطراف المتعارضة التي تغذي بعضها البعض.

مثال، على الرغم أن هذه الأطراف قد أخذت مواقف معاكسة، فإن الوجود التركي في إدلب يعزز من الوجود الأميركي شرق الفرات، وكذلك الوجود الأميركي في شرق الفرات يعزز من الوجود التركي في إدلب.

بسبب دور تركيا في إدلب ودرع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام، فإنه يشكل ندّا لدور أمريكا في شرق الفرات ويعطيه "مشروعية".

وبالمثل، فإن الدور والوجود الأمريكي في شرق الفرات يعطي تركيا "الأحقيّة" في غصن الزيتون ونبع السلام.

لهذا السبب كما رأينا في عام 2018 بشكل ملموس تهديد أمريكا بالتدخل بحجة الأسلحة الكيماوية كيف سمح لدور تركيا بالاستمرار في إدلب. تريد -أي أميركا- الحفاظ على مكانة إدلب "الإرهابية". حتى أنها وافقت بشكل خاضع للسيطرة على خطوات غصن الزيتون ونبع السلام ضد وحدات حماية الشعب شريكتها.

تركيا أيضا بحجة "المخرج الأخير قبل الجسر" (اشارة إلى مقال أردوغان في صحيفة حريات متوجها به لأميركا)، ومواجهة روسيا في إدلب شريكتها في أستانا، تحث أمريكا على التدخل.

من ناحية أخرى، من أجل تكوين ضغط لتقريب قسد -في شرق الفرات- من دمشق، تمهّد روسيا الطريق أمام تركيا. وهذا التمهيد، 'بينما تقدم فرصة منقطعة النظير في العلاقات الثنائية بين أنقرة وموسكو، كما في مثال منظومة S-400،' يضع تركيا العضو في الناتو في مواجهة مع أميركا.

تركيا ايضا تُظهر شرق الفرات كأرضية للتعاون مع روسيا، وكذلك تظهر إدلب كأرضية للتعاون مع أميركا؛ وبفضل أرضية التعاون هذه تكسب الأرض من كليهما.

 وكما صرّح وزير الداخلية سليمان صويلو، عن فتحه للمدارس في الأراضي السورية، وتعيين من يتبع بيروقراطيا لها هناك؛ وذلك لا يخفي أنه لا يريد تكرار تجربة "إسرائيل" في الجولان، في شمال سوريا.

على الرغم من امتعاضها من تساهل روسيا في الأراضي؛ ترجّج دمشق، 'أن بدلا من تجييش تركيا لجميع المجموعات المسلحة ضد سوريا كحال جيش الفتح' تفضّل أن تدمّر الإرهابيين والمعتدلين (كما يقال عنهم) في إدلب.

ولن تنزعج إذا ما مات بعضهم في ليبيا أو أذربيجان. ويسرّها أن يتم تكوين ضغط في شرق الفرات يدفع بقوات سوريا الديمقراطية للتفاوض مع دمشق.

حكمة ضرب المصافي البدائية بملايين (موجات) الصواريخ

أحدث مثال على تعاون المصالح بين الأطراف المتصارعة في الميدان هو الهجمات الصاروخية على "مواقف سيارات وصهاريج الوقود في جرابلس والباب"، حسب تعبير وزارة الدفاع الوطني.

مع أن تصريح وزارة الدفاع لا يشير بالاسم إلى روسيا، فقد كان الهجوم على المكان المتواجد فيه المُعيّنون بيروقراطيا من تركيا والنقطة المستهدفة أيضا "موقف ناقلات النفط".

قال السياسي التركماني المدعوم من تركيا ناصر حسّو للاندبندنت التركية "أن المصافي البدائية المستهدفة في المنطقة والوقود المحدود يقتصر توزيعها على السوق المحلية وتوزع هنا".

ويتساءل عنوان الخبر: "وقعت 5 هجمات على منطقة درع الفرات الشهر الماضي .. لماذا تصاب مصافي النفط البدائية بملايين الصواريخ؟". لكنه لا يجيب على السؤال.

لكن من يعرف من يسيطر على آبار النفط في سوريا قد يدرك أن "المصافي البدائية" في منطقة درع الفرات لا يمكنها الحصول على النفط إلا من قوات سوريا الديمقراطية، ويمكنهم فهم الحكمة في سبب إصابة هذه المصافي البدائية، بموجات الصواريخ 5 مرات.

توظف أمريكا مرتزقة يطلق عليهم اسم قسد في الأراضي المحتلة في سوريا. يتم تغطية تكاليف هؤلاء المرتزقة من خلال البيع غير المشروع للثروة الوطنية السورية.

في ضوء هذه المعلومة، ومن أجل المساهمة في السؤال أعلاه، هذا السؤال أيضا مهم: بينما تجفّف روسيا وسوريا الموارد المالية لمرتزقة أميركا، ألا تتأثر تركيا بسعر النفط فحسب؟

إذا كانت الإجابة بنعم، فسيكون هذا مثالًا صارخًا على سبب عدم إمكانية الإخلال بالتوازن المغذي لبعضه بين الأطراف المتعارضة.

كيف يفسد التوازن شرقي الفرات؟

مما لا شك فيه أنه عندما لا يحتاج الطرفان إلى مكاسب قصيرة المدى من بعضهما البعض، أو عندما تتحول الاستثمارات التي لا تؤدي إلى نتائج دائمة، إلى مشكلة ملحة.

أقوى جانب في هذا التوازن، السبب الرئيسي لوجود أمريكا في سوريا، وهو دفع دمشق التي لم تستسلم بالحرب بالوكالة على ركبتيها عبر الضغط وجعلها تفعل ما تريده واشنطن.

من بين الأشياء الرئيسية التي تريدها واشنطن من دمشق، طرد إيران من سوريا وتكون بمواجهة مع دول عربية أخرى معادية النظام الإسرائيلي.

أمريكا تستخدم داعش وقوات سوريا الديمقراطية و "قانون قيصر" كأداة لتحقيق هذا الهدف. التوازن الذي ذكرناه يجعل هذه الأدوات عملية.

كان هدف حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي يشكل الهيكل الأساسي لقوات سوريا الديمقراطية، هو إبقاء كانتوناته الثلاثة على قيد الحياة حتى عام 2014. الحماية الأميركية شرق الفرات استحضرت ظاهرة 'شمال خط العرض 36°' في كردستان العراق. 

هذا الاستحضار هو هوس القادة الأكراد السوريين، وتخلق حالة من عدم الارتياح في سوريا وتركيا.

لا بد أن تجربة غصن الزيتون ونبع السلام قد أظهرت للقادة الأكراد السوريين أن هدف أمريكا ليس إنشاء إقليم كردستان سوريا، وحتى لو كان هذا الهدف، فهو هش للغاية بحيث لا يمكن مقارنته مع العراق.

في حال إخراج الولايات المتحدة من المعادلة القائمة، "دمشق لا تريد إيران في سوريا بعد الآن" و "اتفاق تركيا مع دمشق" فهذان الأمران لا يبدوان احتمالًا واقعيًا.

لكن اتفاق قسد مع دمشق، أو بدء مقاومة مسلحة في سوريا ضد أميركا ومن شأنها تحويل شرق الفرات إلى جنوب لبنان آخر عندما كان تحت الاحتلال الإسرائيلي، هي مشاريع ستجبر أمريكا على مغادرة سوريا. يمكن لموسكو أن تفعل الأولى، واستثمار دمشق وطهران أن يقوم بالثانية.

حقيقةَ أن مثل هذه المقاومة لم تبدأ حتى الآن، هي تنبع من الرغبة في حماية أساس الاتفاق مع الأكراد السوريين.

لأن الأكراد لم يشهروا السلاح بوجه الدولة السورية منذ بداية الأزمة، وعلى العكس من ذلك، لم يكن لديهم أي مورد أسلحة غير الدولة السورية حتى عام 2014، فلا دمشق ولا موسكو ولا طهران ينظرون إليهم على أنهم مثل الذين في إدلب.

لكن من الصعب التكهن بمدى التسامح الذي يمكن تحمله مع نهب القمح والنفط السوري بينما يحكم قانون قيصر على الشعب السوري بالتجويع.

من ناحية أخرى، هناك مشكلة ثقة حقيقية بين الأكراد السوريين ودمشق. العوامل التي تزيد من انعدام الثقة هي:

يهدف الأكراد السوريون إلى تحقيق وضع مشابه لإقليم كردستان العراق، بينما تقول دمشق إنه لا يمكنها التفاوض إلا على حل ضمن هيكل الدولة الموحد.

كما رأينا خلال عمليتي غصن الزيتون ونبع السلام ، يتذكر الأكراد أنهم كانوا سوريين عندما رأوا أنفسهم محرومين من الحماية الأمريكية، وعندما حصلوا على رعاية أمريكية، تعاونوا في نهب ثروة سوريا الوطنية.

رغم كل هذا، يبدو أن دمشق وحلفاءها يفضلون الذهاب إلى شرق الفرات بملفات التفاوض وإلى إدلب بالسلاح عندما تقرر الأطراف المتصارعة التي تغذي بعضها البعض تعطيل التوازن.

 "المخرج الأخير قبل جسر إدلب"

قبل العملية العسكرية المزمع تنفيذها في إدلب عام 2018، وصف الرئيس أردوغان إدلب بأنها المخرج الأخير قبل الجسر في مقال كتبه في صحيفة وول ستريت جورنال لدعوة أمريكا للتدخل.

كانت هذه استعارة إلى حد ما من حيث أنها تعني أن إدلب كانت آخر أداة متاحة لجعل الأزمة السورية مسألة دولية.

إدلب هي آخر مكان يتم فيه نقل بقايا الجماعات المسلحة التي أخرجها الجيش السوري وحلفاؤه من جميع أنحاء البلاد بواسطة حافلات خضراء وتجمعوا معًا. 

لذلك، فإن خروج إدلب من إمارة القاعدة وتحولها إلى محافظة تابعة للدولة السورية تعني خسارة كاملة لفرصة التدخل الأجنبي في سوريا.

انتهت الحرب بالوكالة المفروضة على سوريا منذ عام 2012 بهزيمة ساحقة لمجموعة الأصدقاء في 12 ديسمبر / كانون الأول 2016.

على الرغم من هذه الهزيمة، التي جعلت الهدف الأولي للحرب مستحيلاً، فإن محاولة الحفاظ على ظروف الحرب تهدف إلى تعويض الخسائر. لذلك على الرغم من الهزيمة، لا يزال هناك دولتان تسعيان للحفاظ على وجودها في الميدان: الولايات المتحدة وتركيا.

السعوديون والإماراتيون وقطر لا يهتمون بالأموال أو السمعة التي فقدوها في سوريا. لأن لديهم الكثير من المال وليس لديهم سمعة على أي حال. لهذا قامت الإمارات بتطبيع علاقاتها مع دمشق وفتحت سفارتها. السعوديون تتقرب إلى دمشق في سبيل مواجهة تركيا، وقطر تنتظر وساطة روسية للتقرب.

إذا لم تكن ركعت سوريا عبر الحرب بالوكالة، فأميركا ستعوّض خسارتها عبر التهديد بالتجويع وتقسيم سوريا، وسيكسبها نصرا أكبر بكثير من حرب الوكالة.

مع إدعاء "نحن أصحاب الشرق الأوسط الجديد" (إشارة إلى كلام أحمد داوود أوغلو) تركيا التي دخلت إلى سوريا هي في ساحة أو وضع لأجل عدم الحصول على أضرار أكبر، على عكس أميركا التي هي في ساحة لأجل مكتسبات قريبة من الهدف الأولي.

لكن دعوة أنقرة الأخيرة لواشنطن تظهر أن تركيا لا تزال تحتفظ بالأمل في قلب نظام الحكم في دمشق. لذلك، على عكس البلدان الأخرى، فإن تركيا تتصرف على أن هناك لا تزال حربًا لم تنته بعد.

قال الرئيس أردوغان في بيانه الذي اقترح فيه على الرئيس الأمريكي بايدن الشراكة في سوريا:

"اليوم، أمام الغرب ثلاثة خيارات.

 الخيار الأول هو مشاهدة الأحداث في سوريا من المدرجات وخسارة المزيد من الأرواح البريئة.

الخيار الثاني هو بذل كل الجهود العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية المطلوبة لحل دائم.

الخيار الأخير والأكثر منطقية وهو دعم الغرب لتركيا في سوريا، وهذا سيساهم بجزء من الحل في سوريا بتكلفة أقل وأكثر تأثيرا ".

منذ عام 2012، ودعوة تركيا لأميركا بالتدخل والعودة إلى حرب الوكالة الذي تلخص في أول خيارين وكان يأتي أحيانا بشكل توسل وأحيانا بإلقاء اللوم، وفي حال لم تقم بالخيار الثالث فكان يراد منه أن تكون تركيا الوكيل وليس قوات سوريا الديموقراطية.

خاتمة

في الواقع، يجب أن تدرك تركيا إلى الحاجة لوضع أهداف جديدة، وأن تتخلى عن أهداف الحرب بالوكالة من خلال إدخالها إلى صيغة أستانا.

حيث أن تركيا أبعدت الفصائل المسلحة الإرهابية والمعتدلة كما يقال لهم، ووافقت على تعهدها بالتخلّص من الإرهابيين وإدخال المعتدلين بالعملية السياسية. وفي كل اجتماع في أستانا يتم التصريح على وحدة الأراضي والسيادة السورية ولا محاولة لإطاحة بالإدارة السورية.

على الرغم من الشراكة مع روسيا، فقد خلط الأوراق من الأيام الأولى، قائلا "نحن هنا للقضاء على إرهاب الدولة والقضاء على حكم الأسد الظالم، لهذا السبب أتينا ولا يوجد سبب آخر" (إشارة إلى تصريح أردوغان). حتى لو أن تركيا عاشت مشكلة تآلف بين الظروف الجديدة والأهداف القديمة، فإنها لم تتحقق أيّا من أهداف 2012.

إذا رأى أنه من الواقعي الإطاحة بإدارة دمشق مع روسيا وإيران وإنهاء وجود قوات سوريا الديمقراطية مع أمريكا، فقد يكون ذلك تفسيراً له لوقوفه في أستانة ودعوة أمريكا للتدخل في سوريا.

ومع ذلك، في ظل الظروف الحالية العقلانية، فإن الوجود العسكري التركي في سوريا يتطلب أن تكون له الأهداف التالية.

1- لعب دورها في صيغة أستانا بشكل صحيح من أجل منع مشكلة آلاف الإرهابيين وعشرات آلاف اللاجئين من أن يصل بهم الأمر إلى اكتساح تركيا. أي عدم محاولة تحويل صيغة أستانا إلى مؤتمرات جنيف لمجموعة أصدقاء سوريا.

2- إيجاد أسس لإدراج شرق الفرات في وحدة أراضي سوريا من أجل عدم إقامة "إقليم كوردستان" جديد على الحدود السورية تحت تأثير حزب العمال الكردستاني. تشجيع الأكراد السوريين على التعامل مع دمشق حتى لا تخلق أمريكا شمال خط العرض 36 الثاني.

3- تهيئة الظروف للعودة الطوعية والآمنة لأكثر من أربعة ملايين لاجئ سوري.

هذه أهداف يمكن تحقيقها من خلال لعب دورها في صيغة أستانا وفق روح الأستانة، أي إعلان الولاء لسيادة سوريا ووحدة أراضيها وعدم دعوة أمريكا للتدخل في سوريا، وعدم السعي في جعل الجماعات المسلحة في حالة سيطرة دائمة.

يبدو أن تركيا بدلا من إنشاء علاقة مع دمشق بجعل مصالحها وأمنها القومي أولوية، جعلت هدفها أن يبقى إدلب وغصن الزيتون ونبع السلام بصورة دائمة. 

لهذا السبب تحاول أن تجعل الوضع الحالي لإدلب دائمًا، وتريد التلاعب بظروف الحرب 'التي أوجدها هذا التوازن بين الأطراف المتصارعة التي تغذي بعضها البعض' ضد دمشق.

لكن في الشهر الماضي، إجبار روسيا لتركيا على التعاون في ممر مفتوح من أجل ضبط تهريب النفط وخروج المدنيين، يبدو وكأن روسيا أملت الموقف على تركيا وهي شريك حقيقي في أستانا.

لم تستبعد هذه الخطوات حتى عملية إدلب التي تم التخلي عنها في عام 2018. مراسل موقعنا YDH في سوريا سركيس كسارجيان يشير إلى تحضيرات عسكرية. 

العملية العسكرية في إدلب كما تحددها ظروف عسكريا مناسبة يحددها أيضا ظروف سياسية مؤاتية، مما يلفت الانتباه إلى خلق تكتل من دول الخليج ضد تركيا؛ لكنه يقول إن مثل هذا الاحتمال قد يكون ممكناً بعد الانتخابات الرئاسية السورية، فحسب