: ليست طالبان هي المسؤولة عن هزيمة أمريكا أقوى دولة في العالم، في أفغانستان أكثر دول العالم بؤسًا، إنّما مخططي الاستراتيجيات وصناع القرار هم الذين جلبوا عشرات الآلاف من جنودهم هنا بهذه الحماسة الجيوسياسية
إن سيطرة طالبان الشاملة على أفغانستان وإعادة تأسيس "إمارتها" بسرعة تذهل حتى نفسها هي نتيجة إجماع الأطراف الأربعة المنهكة.
أعطت عملية التفاوض التي بدأتها الولايات المتحدة في قطر لطالبان سيطرة أكثر شمولاً مما كانت عليه قبل 20 عامًا.
لم تستطع طالبان، المدعومة من باكستان والسعودية وأمريكا منذ 1994، السيطرة على أفغانستان في أول إماراتها من عام 1996 إلى عام 2001؛ حيث واجهت معارضة مسلحة جديّة، خاصة في المناطق الشمالية من البلاد.
والواقع أن هذه المعارضة، التي أطلق عليها اسم "التحالف الشمالي" عام 2001، أنهت إمارة طالبان في وقت قصير جدًا بفضل الدعم الجوي للولايات المتحدة.
سيطرت طالبان الآن على كل أفغانستان تقريبًا دون إطلاق رصاصة واحدة.
حتى وقت كتابة هذا التقرير، كان الاعتراض الوحيد ضد سيطرة طالبان يأتي من أحمد مسعود، الذي يسيطر على وادي بانكشير.
وعلى الرغم من وجود تقارير تفيد بأن طالبان تقوم بحشود عسكرية في بانكشير، إلا أن أحمد مسعود لم يعطِ الأولوية لخيار الحرب، حيث قال: "نحن مستعدون للدفاع، لكننا نفضل التفاوض".
أمريكا، المُنهَك الأكبر
إن سيطرة طالبان الشاملة على أفغانستان وإعادة تأسيس "إمارتها" بسرعة والتي فاجأت حتى نفسها هي نتيجة إجماع الأطراف الأربعة المنهَكة. وهؤلاء هم: أمريكا وطالبان والشعب الأفغاني ودول المنطقة.
مع بدء عملية التفاهم بين المنهكين، أظهرت أمريكا التي سلمت أفغانستان إلى طالبان أنها أكثر إرهاقًا من أي شخص آخر.
طبعا أمريكا لم تتعرض لهزيمة عسكرية في أفغانستان. لم يكن هناك مكان على أراضي أفغانستان تراه ضروريًا غير أنها لم تستطع السيطرة عليه.
من ناحية أخرى، رغم كل الخلل والفساد في الدولة التي أسستها، لم يكن لديها فشل سياسي يجعل الشعب الأفغاني يرى طالبان كمنقذ وطني.
إذن، على الرغم من عدم وجود فشل عسكري أو سياسي لا يطاق، ف أمام من انهزمت أمريكا ولماذا تعبت وبدأت عملية تسليم أفغانستان لإمارة طالبان؟
'حقيقةَ أن واشنطن لم تكن قادرة على تحقيق الأهداف التي تصورتها لأفغانستان لمدة 20 عامًا، رغم إنفاقها 2 تريليون دولار'، تجيب جزئيًا على هذا السؤال.
علّلت الولايات المتحدة تدخلها في أفغانستان عام 2001 بهجمات 11 سبتمبر، أي لأسباب أمنية. كان من الممكن أن يكون هذا التفسير مقنعًا، لو جاء بعد تدمير إمارة طالبان في غضون أسابيع في عام 2001 وبعد تأسيس "جمهورية أفغانستان الإسلامية''، وتم حصر وجودها العسكري في مهام استشارية عسكرية أو تدريبية للجيش الأفغاني أو بعثات أمنية واستخباراتية.
لكن، حقيقة تعزيز وجودها العسكري هناك مع الناتو، وتشكيله من حيث المجال والنوع، تكشف أن أمريكا تخطط لأهداف جيوسياسية في أفغانستان، وليس الأمن.
قدمت أفغانستان المتاخمة لإيران والصين، للولايات المتحدة فرصًا جيوسياسية فريدة في عام 2001 ضد موسكو وبكين وطهران. لذلك فشلُ أمريكا في أفغانستان هو فشل في أهدافها ضد روسيا والصين وإيران. ينبع تعبها من حقيقة أنها فقدت الأمل تمامًا في تحقيق هذه الأهداف.
يقودنا هذا الموقف بالضرورة إلى الاستنتاج التالي: ليست طالبان هي المسؤولة عن هزيمة أمريكا أقوى دولة في العالم، في أفغانستان أكثر دول العالم بؤسًا، إنّما مخططي الاستراتيجيات وصناع القرار هم الذين جلبوا عشرات الآلاف من جنودهم هنا بهذه الحماسة الجيوسياسية.
أسباب فشل أمريكا وهزيمتها المذلة كثيرة ومفصلة لدرجة أنه لا يمكن وصفها إلا في كتاب مستقل.
ومع ذلك، حتى مع مقارنة الوضع 'لعلاقات روسيا وإيران والصين مع بعضها البعض من جهة ومع الولايات المتحدة من جهة أخرى قبل 20 عامًا' مع الوضع الحالي؛ يمكن أن تعطيك فكرة عن سبب حرص أمريكا على غزو أفغانستان بعشرات الآلاف من الجنود في عام 2001 ولماذا هربت بطريقة مشينة اليوم.
طالبان المتعبة من اليأس والتي خرجت منتصرة
وهو ادعاء يمكن دعمه بالكثير من الأدلة على أن طالبان منظمة أنشأتها المخابرات الأمريكية والباكستانية لتغيير التوازن في الحرب الأهلية التي ظهرت بعد الانسحاب السوفيتي.
لم تكن طالبان من بين من يُسمَّون "بالمجاهدين" الذين قاتلوا ضد الوجود العسكري السوفيتي في أفغانستان. لقد ظهرت فجأة في عام 1994، وفي غضون عامين اجتاحت فعليًا معظم الجماعات التي حاربت السوفييت لسنوات.
بالطبع، كان بعض القادة الذين أسسوا طالبان من بين مجموعات "المجاهدين" المختلفة. على سبيل المثال، من المعروف أن قادة "شبكة حقاني"، التي كانت تدعمها الولايات المتحدة في ذلك الوقت والذين تصوّروا في البيت الأبيض مع الرئيس الأمريكي آنذاك رونالد ريغان على الرغم من أنها الآن على قائمة الإرهاب للولايات المتحدة الأمريكية، فهي من بين مكونات إمارة طالبان.
لذلك، من يقول إنها منظمة أنشأتها المخابرات الأمريكية والباكستانية، لا يدّعون أن طالبان خُلقت من لا شيء.
النفوذ الباكستاني العميق على التنظيم، أدرج شير محمد عباس إستانكزي أحد أعضاء المكتب السياسي للمنظمة، على القائمة السوداء للأمم المتحدة في عام 2001 ثم إزالته من القائمة السوداء في عام 2010 بمبادرة من الحكومة الأفغانية وحلفائها الأمريكيين. اعتقال الملا عبدالغني برادر رئيس المكتب السياسي في كراتشي من قبل المخابرات الباكستانية "بناءً على" طلب "وكالة المخابرات المركزية في عام 2010 ثم إطلاق سراحه في عام 2018" بناءً على طلب "الممثل الأمريكي الخاص لأفغانستان زلماي خليل زاد. هذه مجرد أمثلة قليلة عن علاقات طالبان العميقة مع باكستان وأمريكا منذ عام 1994.
طالبان، التي تربطها علاقات عميقة مع باكستان، ومع قطر بالسنوات الأخيرة مرة أخرى بتوجيه من الولايات المتحدة؛ على مدى السنوات القليلة الماضية، لم تحقق أي مكاسب عسكرية أو سياسية يمكن أن تغير المعادلة خلال الحرب 20 عاما.
عسكريا، لم تستطع إنشاء "منطقة محررة" مثل الجماعات المسلحة في إدلب. سياسياً، لم تستطع ترسيخ نفسها كقائد تحرر وطني بين مختلف شرائح الشعب، مثل حركة أنصار الله في اليمن.
أثبتت طالبان أنها القوة الوحيدة في أفغانستان التي يمكن أن تملأ فراغ السلطة الذي خلفتها أمريكا، وذلك بفضل إرادتها الحربية التي استمرت 20 عامًا وقوتها المتشددة القائمة على الأغلبية البشتونية في البلاد.
لكن 20 عامًا من الخبرة في حرب الاستنزاف أثبتت أنه لم يكن بإمكان طالبان تغيير المعادلة الحالية لو لم تقرر الولايات المتحدة الانسحاب.
لذلك، أدركت طالبان أنه طالما استمر الوجود العسكري الأمريكي، فلن تكون قادرة على فرض هيمنة أو حتى "منطقة محررة'' في أفغانستان، كما أنها سئمت من استمرار الحرب التي لا تستطيع فيها تغيير الجيش و التوازن السياسي.
قبلت عرض التفاوض، إذ اعتقدت أن بإمكانها ملء فراغ السلطة الذي سينشأ عن الانسحاب الأمريكي.
بينما استخدمت الولايات المتحدة المفاوضات من أجل الهروب الآمن، اعتبرت طالبان هذا الوضع بمثابة تأشيرة لإنشاء منطقة محررة. بدأت بالسيطرة على المدن بمعدل يتناسب طرديا مع خروج القوة العسكرية الأمريكية من البلاد.
شكّل التنسيق بين الانسحاب الأمريكي وسيطرة طالبان على المدن الأساس النفسي لانهيار مؤسسات الدولة الأفغانية، كقلعة رملية.
الشعب الأفغاني المرهق من الحرب لدرجة تجعله يقبل بطالبان
كان من المعروف أن الشعب الأفغاني، الذي عانى من جميع أنواع الحروب منذ عام 1979، قد سئم الحرب. ومع ذلك، لا يمكن أن نفهم لماذا تعبت الدولة الأفغانية البالغة من العمر 20 عامًا وجيشها الذي كلّف "88 مليار دولار"، الذي سلّم حتى العاصمة كابول دون أي مقاومة.
وبما أن الشعب الأفغاني لم يرغب في خلق أرضية جديدة للحرب الأهلية، فقد استسلمت الدولة الأفغانية أيضًا لطالبان لأنها كانت فاسدة.
يظهر الانزعاج من الوضع الحالي بوضوح في آراء الجمهور والخبراء من جميع مناحي الحياة، وهو ما ينعكس في قناتي Tolo News و Aryana News، اللتين ليس لهما أي تركيز أيديولوجي وهما إذاعتان إخباريتان محترفتان حقًا في أفغانستان.
ومع ذلك، فإن هذا الانزعاج لا يتضمن أبدًا أبعادًا لإنشاء فكرة عن المقاومة. الأولويات التي تم تسليط الضوء عليها منذ سقوط كابول هي:
-على طالبان تولي السلطة الأمنية على الفور وضمان السلام والطمأنينة.
-يجب تجنب الكفاح المسلح الذي سيخلق أرضية لحرب أهلية مرة أخرى.
-يجب تقديم ضمانات للعودة إلى مجرى الحياة الطبيعي في أسرع وقت ممكن.
-يجب تشكيل حكومة شاملة وتجنب الخطاب المتطرف والممارسات التي من شأنها حرمان أفغانستان وإعادة عزلها عن المساعدات الخارجية المعلقة حاليا.
تَعَبُ دول المنطقة -الراضية عن الهزيمة الأمريكية- من الإرهاب، بما يكفي لمنح حتى طالبان فرصة
دول المنطقة، بالنظر إلى تدخل أمريكا في أفغانستان قبل 20 عامًا باعتباره تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي (أي دول المنطقة)، فإنها مسرورة تمامًا بهذا الهروب المهين للولايات المتحدة.
إلا أن ممارسات طالبان، التي شهدتها الإمارة في الفترة من 1996 إلى 2001، تفرض الحذر على دول المنطقة لما تنطوي عليه من تهديدات محتملة.
لهذا السبب، في بيانات دول المنطقة 'التي سئمت من عدم الاستقرار والمشاكل الأمنية وتدفق اللاجئين بسبب الحروب في أفغانستان'، حول الوضع الجديد يلفت فيها الانتباه والرضا والحذر.
من ناحية أخرى، فإن تاريخ طالبان المريب للعلاقات مع الولايات المتحدة والطريقة التي يسيطرون بها على أفغانستان يزيدان من قلق دول المنطقة. لأنه خاصة مع التطورات التي حدثت في الشهر الماضي، يُستنتج أن أفغانستان سُلّم إلى طالبان من قبل الولايات المتحدة نفسها.
على سبيل المثال، بعد أن تم القبض عليه من قبل طالبان، ثم أُطلق سراحه بضغط من إيران وذهب إلى مشهد، محافظ هيرات محمد إسماعيل خان الذي تم أسره من قبل طالبان بمؤامرة شارك فيها الرئيس أشرف غني، و تسليم هيرات إلى طالبان؛ فما يقال عن هذا هو حجة جيدة لمن يتوصلون إلى هذا الاستنتاج.
لكن خلافًا للتقديرات الحذرة والمتشائمة لهيمنة طالبان في أفغانستان؛ في كل من روسيا وإيران، وخاصة في المؤسسات العسكرية، هناك نهج لتحويل هذا الوضع الجديد إلى فرصة في المؤسسات السياسية.
بادئ ذي بدء، تريد روسيا والصين وإيران أمرًا يقضي على ظروف الحرب الأهلية التي أوجدت حركة طالبان في أفغانستان.
على الرغم من أن لطالبان تاريخ مشكوك فيه مع الولايات المتحدة، إلا أن لديهم أيضًا طموحًا جادًا في إقامة دولة. وعلى الرغم من أن قادة طالبان الذين هم تحت التأثير الباكستاني فإنهم يحافظون على منطقهم وسلوكهم خلال الفترة 1996-2001، إلا أن القادة الأكثر فاعلية الذين تحت تأثير قطر يظهرون تغيرًا خطيرًا للغاية في المنطق والخطاب والسلوك.
بالطبع، لا أحد يرى خطاب طالبان أو وعودها على أنها ضمانة كافية. ومع ذلك، فمن الواضح أن طالبان لن تكون قادرة على البقاء في السلطة اليوم من خلال تكرار السلوكيات التي أظهروها في التسعينيات عندما كانوا قوّاتا بالوكالة للولايات المتحدة وباكستان.
من ناحية أخرى، نتعلم من مقال أيدين سيزر بعنوان "طالبان و" شويغو" أن ماضي العلاقات المشكوك فيها بين أمريكا وطالبان لم يعد يخيف إيران وروسيا، اليوم. [1]
إن إيران وروسيا اللتين وضعتا الأساس لهروب أمريكا المهين من أفغانستان، تبعثان برسالة مفادها أنهما سوف تعترفان بطالبان بشرط تشكيل حكومة شاملة مع الثقة الناشئة عن ذلك.
استنتاج
لا توجد قوة غير طالبان يمكنها السيطرة على كل أفغانستان. لقد انهارت مؤسسات الدولة، والناس يفضلون النظام القائم على الحرب الأهلية، حتى مع طالبان.
إن الظروف التي تحكم على أفغانستان في يد طالبان هي نتاج 40 عاما من الحرب، وأمريكا التي فرضت عليها هذه الحرب تهرب ذليلة أمام العالم.
هذه هي الظروف الموضوعية لأفغانستان.
لكي تنجو أفغانستان من العصور الوسطى حتى الوقت الحاضر، يجب أن تتوقف الحرب؛ ومع ذلك، ومن المفارقة (أو السخرية) أنه لا يوجد بديل يمكن أن يقضي على الظروف التي أوجدت طالبان باستثناء طالبان.
ترجمة: https://t.me/Turktran
تاريخ المقالة: 24.08.2021
تاريخ الترجمة: 28.08.2021
رابط المقالة الأساسية:
https://www.ydh.com.tr/YD575_yorgunlarin-uzlasmasiyla-dogan-taliban-emirligi.html